على حساب القمح والقطن.. زراعات جديدة في رأس العين وتل أبيض

انخفض إنتاج القمح بنسبة 63% في رأس العين وتل أبيض بريفي الحسكة والرقة شمالي سوريا، بين أعوام 2011 و2021، كما انخفض إنتاج الشعير بنسبة 40%، والقطن بنسبة 47%، ولم تصل المنطقة إلى إنتاج العام 2011، في حين زاد إنتاج الذرة بنسبة 82%، بحسب الباحث لورنس الشمالي.

وفي مقابل تراجع الزراعات الاستراتيجية التي تُعرف وتشتهر فيها المنطقة، بدأت زراعات جديدة بالظهور والانتشار، منها زراعات الخضراوات والنباتات العطرية وحتى الأشجار المثمرة، نتيجة لعدة عوامل سوف يقوم التقرير باستعراضها.

النباتات العطرية بدلا من القمح

'أبو ملهم' وهو فلاح من منطقة رأس العين بريف الحسكة، يقول لـ موقع تلفزيون سوريا إنّه زرع كامل مساحة أرضه البالغة نحو 300 دونم بالقمح، العام الفائت، إلا أنّه في الموسم الحالي قسّمها على نحو مختلف، حيث تراجعت مساحة القمح إلى 100دونم فقط، بينما زرع 100دونم كمون و50 يانسون و50 كزبرة، لا بل استأجر قطعة أرض مساحتها 60 دونما وزرعها بالفول.

ويضيف: 'العام الفائت حصل هامش ربح قليل جداً من محصول القمح، الذي كانت تشتريه المؤسسة العامة للحبوب التابعة للحكومة السورية المؤقتة، في حين يُسوّق القطن محلياً إلى التجار، ولم تُقدم أي جهة عامة على شرائه'، لذلك اتجه إلى زراعات جديدة يسهل تسويقها.

تجربة زراعة البطاطا

عبد المنعم كوسا وهو مزارع من رأس العين أيضاً، قرّر زراعة البطاطا بشكل خاص بعد عودته إلى المنطقة التي تهجّر منها لسنوات، خلال سيطرة 'قوات سوريا الديمقراطية-قسد' على المنطقة.

يقول 'كوسا' إنه ينحدر في الأصل من مارع شمالي حلب، ولكن عائلته تقيم في رأس العين منذ عقود طويلة، وقرّر فور عودته زراعة البطاطا حيث يزرع 'عروتين' خريفية وربيعية بمساحة تصل إلى 100 دونم، وإنتاج يصل إلى 4 أطنان كل موسم.

وأضاف أنّه إلى جانب البطاطا قسّم مساحة الأرض التي يملكها على زراعة اليانسون والفول والحبة السوداء، وابتعد عن القمح والقطن بسبب التكاليف الكبيرة وصعوبة التسويق.

وأشار إلى أنّ محصول البطاطا يبيعه في رأس العين بشكل مباشر لحاجة السوق لها، في حين يُرسل باقي المحاصيل التي يزرعها إلى مارع 'ترانزيت' عبر تركيا، ورغم تكاليف الشحن فإن هامش الربح يبقى أفضل.

'خبرة جاءت من اللجوء في تركيا'

في تل أبيض، أقام أبو عائشة أربعة بيوت بلاستيكية خصّصها لزراعة الخيار في قرية العلي باجلية بريف المنطقة، يقول: إنّ هذا الموسم هو الثاني الذي يزرع فيه الخضر، مردفاً: 'العام الفائت زرعت بندورة وكانت تجربة ناجحة بالمقارنة مع زراعة الحنطة'.

وبحسب 'أبو عائشة' فإنّه جاء بفكرة البيوت البلاستيكية من تركيا التي كان يعيش فيها لسنوات كلاجئ وعمل كمزارع، قبل أن يعود إلى قريته بعد طرد 'قسد' من المنطقة، في أعقاب عملية 'نبع السلام'.

ويبيّن أن ما شجعه على الاتجاه إلى زراعة الخضراوات، الخسائر التي تكبدها في زراعة القمح، مقابل وجود سوق تصريف محلية كبير لبيع منتجات الخيار والبندورة، على مدار العامين الماضيين.

ويشير 'أبو عائشة' إلى وجود معاناة في تأمين الشتل المُحسّن من تركيا بطرق نظامية عبر المعابر الرسمية، مؤكّداً أن الحصول على شتل محسّن يساعد الفلاحين بتحسين الإنتاج على المستوى التجاري وحتى على مستوى الاستخدام المنزلي بالنسبة للأشخاص، الذين يزرعون الخضر بهدف استهلاكها الشخصي.

وأكّد مزارعون تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا، أنّ المؤسسة العامة للحبوب رغم تحديدها سعرا متدنيا لشراء القمح، حيث لم تتجاوز تسعيرة القمح الطري 300 دولار في حين بلغ القمح القاسي 330 دولاراً، فإن مكاتب الحبوب في المنطقة لم تتسلّم كامل الإنتاج، ما دفع الفلاحين إلى بيعه للتجار بأقل من 200 دولار للطن، في حين باعوا محصول القطن بسعر ينتهي بـ500 دولار للطن ومن دون أي تدخل حكومي لتحديد السعر أو تحمّل مسؤولية التسويق.

ما أسباب التوجّه إلى زراعات جديدة على المنطقة؟

يقول الباحث لورنس الشمالي، يعود التوجّه إلى زراعات جديدة في رأس العين وتل أبيض إلى عدة أسباب مترابطة على الصعيد الحوكمي والإداري للقطاع، وعدم الاستقرار الأمني الذي يشكل بيئة طاردة لعمليات الاستثمار والتجارة، وعدم وجود سوق خارجية لتسويق المحاصيل الزراعية.

ويضيف الشمالي لـ موقع تلفزيون سوريا: 'هناك توجّه زراعي جديد في المنطقة تجاوز المحاصيل الزراعية الاستراتيجية كالقمح والشعير والقطن، إلى زراعة محاصيل زراعية أخرى كالكمون والخضراوات ومحاصيل حمضية، نظراً لأنّ العائدات الاقتصادية الدورية للمحاصيل الاستراتيجية لم تعد تغطي مدخلات العملية الزراعية، عكس المحاصيل الزراعية الأخرى التي لا يحتاج بعضها إلى انتظار الفلاح دورة كاملة لجني المحاصيل، وترفده بأرباح اقتصادية مجزية، نظراً للمدخلات الأداتية والاقتصادية الزراعية'.

زراعة القطن في تل أبيض ورأس العين.. تكاليف باهظة وصعوبات بالتسويق

ويرى أنّ هذا التوجه الجديد للعملية الزراعية على صعيد المحاصيل الزراعية، عزّز في خبرات زراعية نقلها المزارعون النازحون من الشمال السوري وتركيا إلى المنطقة، لكن 'لا يمكن القول إن هذا التوجه الجديد يشكّل حالياً هوية زراعية للمنطقة، لكنّه آخذ بالاتساع وربما في المواسم المقبلة سيشكّل سوقاً محليةً مهمة في المنطقة، وفق الشمالي.

ما موقف الحكومة المؤقتة؟

يقول المهندس هايل الكلش وزير الزراعة في الحكومة المؤقتة، إنّ الوزارة أيضاً تعمل على إدخال زراعات جديدة إلى المنطقة (تل أبيض ورأس العين) في ظل ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج والمقتصرة فقط على زراعة القمح والشعير والقطن، من خلال دراسة مشاريع تضمن تدريب وتأهيل كوادر زراعية في المنطقة وتأمين فرص عمل جديدة، وتحقيق مردود مالي سريع وبأقل كلفة ممكنة.

ويضيف الكلش لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّه من المشاريع التي يخططون للعمل عليها: المشاتل الزراعية والبيوت البلاستيكية وغيرها من المشاريع، وذلك من خلال نقل التجارب في ريف حلب إلى المنطقة، ونقل الأصناف الموجودة في مؤسسة إكثار البذار بمنطقة الراعي شرقي حلب، ونقل بذور وشتول الخضر الموجودة في مشروع البيوت البلاستيكية في منطقة اعزاز بالريف الشمالي.